سوتشي الطريق إلى حلم السلام

يترقب العالم مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، عله يكون القاعدة الصلبة التي سيبنى عليها ما يمكن أن نسميه البناء الجديد لسوريا التي نأمل أن تخرج من هذه الحرب المدمرة، والتي لم تترك حجراً على حجر خلال سبع سنوات ماضية.

مما لا شك فيه أن مؤتمر سوتشي واجه مخاضاً عسيراً حتى وصل إلى مرحلة حقيقة انعقاده.

فقد خاضت روسيا الدولة المضيفة العديد من المباحثات السرية والعلنية، ودخلت إطار صفقات سرية وعلنية هنا وهناك مع الجميع دون استثناء.

نستطيع أن نقول أن روسيا قد خاضت مفاوضات وحديث وجدال مع شتى الأطراف في سبيل الوصول إلى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأزمة السورية، مع الهدف الرئيسي الذي يدور عليه فلك إيجاد حل للحرب في سوريا، عبر المحور الذي يطلق عليه الحلف الثلاثي الذي تقوده روسيا بالإضافة إلى البلدين الضامنين إيران وتركيا، واللذان يعتبران ميزان التوازن الإقليمي في المنطقة كون البلدان مسلمان يمثلان غالبية سنية وشيعية في المنطقة وهما بلدان غير عربيان بطبيعة الحال، لكن الروابط التاريخية لكل من إيران وتركيا يجعل منهما بلدين مهمين في المنطقة لضمان إحداث توازن واستقرار، ولهما دور في إنهاء الأزمة السورية، بالرغم من أنهما متورطين في أحداثها.

فكل من إيران وتركيا دور ضمن طرفي الأزمة في سوريا (الحكومة والمعارضة وضمنها المجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الطرفين)، فكلا البلدين متهمين بالتورط في الأزمة، فالمعارضة السورية تتهم إيران بالتدخل في الحرب إلى صالح الحكومة ضد المعارضة.

أما تركيا فهي تقف إلى الجانب الآخر، حيث سهلت ودعمت وصول الإرهابيين والمسلحين ودعمت المعارضة السورية مالياً وعسكرياً، وهي ملجئ لغالبية الأطراف المعارضة، طبعاً دون إغفال أدوار كل من قطر والسعودية.

لكن في النهاية، يجب الوصول إلى مرحلة معينة وهذه هي الحكمة الروسية والتي تفرضها الجغرافيا والإستراتيجية في المنطقة على أن لكل من إيران وتركيا دور حاسم في إنهاء الأزمة السورية، لذلك تمكنت روسيا من تشكيل هذا التحالف الذي سيحدث التوازن وهو التوازن المنطقي المطلوب في المنطقة للوصول إلى السلام المنشود.

فالدول الثلاثة هي وحدها من يستطيع خلال توحدها بناء قاعدة صلبة تؤدي إلى توافق للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويحافظ على مصالح الجميع بما فيهم مصالح سوريا الدولة الموحدة.

مما لاشك فيه أن الوصول إلى مؤتمر سوتشي واجه العديد من الضغوطات والمحاولات الدولية لمنع انعقاده وإفشاله، فالجميع له مصالح خاصة ورغبات في لعب دور قد يتجاوز الحدود لكثير منهم.

أغلب تلك القوى التي مانعت انعقاد المؤتمر هي ذات الدول التي دعمت الإرهاب وكان لها دور هدام ولا يزال على الأرض مثل الدور الأميركي.

فالولايات المتحدة حاولت بشكل مباشر من خلال الضغوط السياسية أو محاولة إحداث منغصات على الميدان السوري كعرقلة تحقيق تقدم القوات السورية والقوات الروسية على الأرض لهزيمة الإرهاب المتمثل في تنظيمات متطرفة كتنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة.

في الوقت التي تعلن الولايات المتحدة كلا التنظيمين، تنظيمين إرهابيين في العلن، كانت في الخفاء تدعم التنظيمين لمواصلة القتال وبشتى الطرق.

لم تكتفي الولايات المتحدة عند هذا الحد بل حتى استخدمت المنظمة الدولية وهي الأمم المتحدة للعب دور هدام لمنع تحقيق أي تقدم في العملية السياسية التي تقودها روسيا لإيجاد حل ينهي الحرب السورية.

فخلال السنوات الماضية كانت الولايات المتحدة تصر وتعمل ليل نهار على استصدار قرارات ومحاولات لاستخدام القوة العسكرية لتصل إلى صورة أشبه بما قامت به في العراق وليبيا، لكن كان الفيتو الروسي حاجز وقف في وجه رغبات الولايات المتحدة.

هدف روسيا في نهاية المطاف كان دعم المسعى الدولي لتحقيق السلام في سوريا ضمن المجتمع الدولي، دون استخدام نفس الأساليب التي اعتمدت من قبل بعض الدول في كثير من القضايا الدولية والتي وصلت جميعها إلى الفشل.

فبالرغم من وجود اتفاق وشبه إجماع دولي اليوم على انعقاد هذا المؤتمر، لازلنا نسمع بعض الأصوات ومنها بعض الدول تخرج في العلن لتعارض المؤتمر في الوقت التي تدعم فيه هذه الدول في الخفاء انعقاده، أملاً ربما في الحصول على شيء ما يعوض خسائرها.

الواقع اليوم يفرض نفسه على الأرض، وهو الواقع الذي نجحت روسيا في فرضه على الجميع دون استثناء، فالجميع قد وصل إلى قناعة بعد سبع سنوات من الدمار والإرهاب والأزمات وتدفق اللاجئين والخوف من تحول سوريا إلى بؤرة إرهاب تصدره إلى كل دول العالم، أجبر تلك الدول المضي ودعم المسعى الروسي للوصول إلى حل نهائي للأزمة والوصول إلى نتائج حقيقية لإنهاء المأساة السورية.

المعروف حالياً أن الدعوات لحضور المؤتمر وجهت إلى المعارضة السورية المتواجدة داخل سوريا، والتي ستشارك ممثلة بـ 400 شخصية في حين ستمثل الحكومة السورية بـ 680 شخصية والباقي من المعارضات الموجودة خارج سوريا.

فقد دعت وزارة الخارجية الروسية نحو 1600 ممثل من المجتمع السوري للمشاركة، بالإضافة إلى دعوة الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق ولبنان والسعودية وكازاخستان بصفة مراقب.

المجموعات السورية المعارضة المشاركة، هي مجموعات سياسية معارضة من مختلف الجهات والخلفيات من حيث التمويل ومناطق الإقامة، أيضاً هناك المجموعات المسلحة المشاركة، كجيش الإسلام الممول سعودياً، جيش أسود الشرقية ومجموعة أحمد العبدو التابعة للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر المدعوم أميركياً مع وجود معلومات عن انضمام عدد من تلك المجموعات إلى جانب تركيا في عملية غصن الزيتون.

أيضاً هناك مجموعات من فصائل تتبع الجيش السوري الحر في المنطقة الشمالية وأغلبها تتواجد في إدلب والباقي من المنضمين لمجموعة درع الفرات وجميعها مدعوم من تركيا.

أحرار الشام المحسوبين على الأخوان المسلمين ومن تبقى منهم بات تحت الجناح التركي أيضأً بعد أن قضت عليهم جبهة النصرة وعلى وجودهم على الأرض في ادلب.

ما ستوقفني من المستويات المضحكة من الجهات التي تعارض المؤتمر، عند الحديث عن الدور الروسي في الأزمة إلى صالح الحكومة السورية عسكرياً وسياسياً، فقد خرجت أصوات تتحدث عن اختيار مدينة سوتشي لتستضيف المؤتمر، والتي تعرض سكانها الأصليون من الشركس إلى مذبحة في عهد روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر.

من خرج بهذه العبارات يحاول الاصطياد في الماء العكر بطريقتين:

الطريقة الأولى: لماذا تريد تحريض الشركس في سوريا أو خارجها على هذا المؤتمر؟

ألا يكفي ما حل بشركس سوريا من دمار؟

لقد تعرضت مجمل مناطق تجمع الشركس في سوريا للدمار.

ألا يكفي ما جرى؟

الطريقة الثانية: هي أن من خرج بهذا الكلام لا يعنيه أمر الشركس ولا حتى سوريا، أنا لا أريد أن أقول أن شركس سوريا أو بشكل عام قد نسوا ما جرى لهم في الماضي، لكن الخوض والبحث في هذا الأمر يتطلب حديث وبحث خاص مع حقائق تاريخية قد أتكلم عنها قريباً بشكل منفصل.

لكننا اليوم كلامنا عن سوريا، فشركس سوريا في النهاية هم مواطنون سوريون ويهمهم مستقبل سوريا، ويعنيهم مصير سوريا لأنهم جزء منه ولهم حقوق فيه ككل الأطياف السورية الأخرى، لأنهم دفعوا أثمان غالية في جميع الحقب التاريخية السورية وكان لهم دور كبير في بناء سوريا وتاريخها.

ما جرى في سوتشي في الماضي قد جرى وانتهى، ولكن ردي على من يقول هذا الكلام هو وباختصار شديد.

سبب اختيار سوتشي مكان لانعقاد المؤتمر يتعلق بأسباب لوجستية وشخصية روسية تتعلق بالمناخ وأمور تتعلق بغايات ترويجية وسياحية بحتة.

فقد كان باستطاعة روسيا أن تقيم هذا المؤتمر في موسكو أو سانت بترسبورغ أو حتى في سيبيريا!

أين تكمن الأهمية في مكان انعقاد المؤتمر أم النتيجة؟

روسيا ليست دولة تدار من قبل حفنة من الأطفال ليقال أن هناك نوايا روسية لعقد المؤتمر في سوتشي فقط لأن سكانها في الماضي تعرضوا إلى مذبحة، فروسيا تسعى نحو عقد مؤتمر لتحقيق سلام.

لم تفكر روسيا بهذه الطريقة، وان فكرت فلعلها تكون من سخرية القدر أن يكون لهذه المدينة دور لحقن دماء السوريين وتحقيق السلام، في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم منذ سنوات.

لو أرادت روسيا أن تتصرف بهذه العقلية الصبيانية، كان ببساطة يمكن عقد المؤتمر في غروزني، لتري العالم أن تلك المدينة التي شهدت إرهاب وهابي، انظروا إليها اليوم كيف تنعم بالسلام والطمأنينة والحضارة والرقي والتقدم.

كان وببساطة شديدة يمكن لروسيا عقد المؤتمر في ستالينغراد (فولغوغراد حالياً) تلك المدينة التي تعرضت للتدمير من قبل الإرهاب النازي في الحرب العالمية الثانية، واليوم هي مدينة متطورة وقد عادت للحياة مجدداً.

إنها ببساطة نوع من الألعاب السيكولوجية للتأثير على المشاركين في المؤتمر، لكن روسيا في الواقع لا تحتاج لتلك الأساليب، فنواياها كانت واضحة منذ البداية، ونيتها صادقة وتريد إنهاء الحرب.

المضحك فعلاً، ولم يكن ليخطر على بال أن يخرج أحد ليتحدث عن المدينة التي سيعقد فيها المؤتمر، فقد عقدت الولايات المتحدة الأميركية مؤتمرات عديدة في الماضي في ولايات تعرض سكانها الأصليون للذبح، لماذا لم يتحدث أحد؟

إن تلك الأساليب الغبية تنم عن أصوات لجهات لا تريد إنهاء الحرب السورية، فقد بات معروفاً اليوم، للجميع ولمن يريد أن يفتح عينيه على الواقع أن يعرف تلك الجهات.

فمن يدعم الإرهابيين بالمال والسلاح والأطراف والأشخاص ممن جمعوا ثروات من الحرب هم من يعارضون إنهاء الحرب.

على رأس من يعارض هي الولايات المتحدة، فهي لم تفكر يوماً بعقد مؤتمر سلام في واشنطن، على عكس روسيا، فمن يتحدث ويعمل للسلام هي روسيا وليست الولايات المتحدة.

عدم الرغبة في إنهاء هذه الحرب تأتي من جهات معارضة، وهؤلاء هم من تربح على حساب دماء السوريين ودمار البلاد.

فقد أصبحوا من أصحاب الثروات، ولهم مصلحة مباشرة في استمرار الحرب لجمع المزيد من الثروة، فمن يذهب إلى مدينة اسطنبول التركية مثلاً ويزور السوق القديم حيث أسواق الذهب، يكتشف أن أصحاب تلك المحال هم من المعارضين السوريين، فقد قاموا بشراء تلك المحال ودفعوا أثمانها نقداً (كاش).

فمن أين جاؤوا بهذا الكاش؟

فبعض دول الخليج كانت ترسل مثلاً 10 دولار، 1 دولار مساعدات انسانية يتم تضخيمها إعلامياً للمليون، وترسل 9 دولار وهي في الحقيقة 9 ملايين يقوم ثوار الخارج بوضع، لنقل 5 منها في جيوبهم وإرسال باقي الـ 4 إلى الثوار المقاتلين في سوريا.

الكثير من هؤلاء الثوار المعارضين لا يرغبون حتى في العودة إلى سوريا، لماذا يعودوا ويتركوا منازلهم وأعمالهم التي جمعوها.

هم لا يعنيهم مستقبل سوريا ولا حياة السوريين، وما يعنيهم فقط مصالحهم الخاصة، فحتى لو نجحوا في اسقاط نظام الحكم لكانوا أكثر فساداً من الفاسدين في النظام السوري، لسبب بسيط هو أنهم سيأتون والطمع في السلطة والثروات يملئ مخيلتهم ولن أستغرب إن عادت سلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية لتسيطر على الأوضاع في سوريا، فهذه هي طبيعة سوريا وهذا هو تاريخها.

بعض السوريين حاول تقليد ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، وأصبح الأمر أشبه بإنفلونزا وصلت عدواها للسوريين، كانت نتيجتها وباء قتل الجميع.

من لا يريد إنهاء الحرب هو من جمع الأموال على حساب تهريب اللاجئين السوريين إلى أوروبا وتعريضهم للموت والأهوال، مع معرفة مسبقة أن من يصلون أحياء سيتم إعادتهم من حيث أتوا عاجلاً أم آجلاً، فلا أحد يريدهم في بلاده، هذه حقيقة وواقع.

لقد زاد وزن أسماك البحر الأبيض المتوسط من لحوم السوريين الذين غرقوا فيه، لقد تناثرت أشلاء السوريين في البراري الأوروبية وثلوج الشمال، ولا يخلوا يوم دون أن نقرأ ونسمع ونشاهد الحوادث والجرائم التي يكون أبطالها وضحاياها سوريون في أوروبا.

أسألوا ألمانيا أو أسألوا ميركل التي أنهى السوريون مستقبلها السياسي.

لقد نجح ((الثوار)) السوريون في إسقاط كل الأنظمة والحكومات في العالم إلا في سوريا، فلماذا يا ترى؟

اليوم وصلنا إلى مرحلة يجب أن يحقن فيها دم الشعب السوري، وصلنا اليوم إلى مرحلة يجب أن يبدأ فيها التفكير بعودة من هجر إلى أرضه، التفكير اليوم منصب على عودة الشعب السوري والشباب السوري إلى سوريا للعمل وإعادة الإعمار والحياة، لإصلاح الخراب، لإيجاد والوصول لحلول سياسية توحد الشعب السوري لا أن تفرق بينه.

فكما تحمل الجميع مسؤولية دم السوريين، على الجميع تحمل مسؤولية إعادة الحياة إلى السوريين.

اليوم روسيا تستضيف الجميع في سوتشي لكي يضع الجميع حد للقتل، فمن يعقد المؤتمر يقصد فيه السلام، لا نوايا لديه في الاستمرار بالقتل والتدمير.

وحده من يعارض هو من يريد الاستمرار في القتل.

يجب أن يتوقف القتل، فمن ينظر إلى الخارطة السورية اليوم وبعد سبع سنوات من القتال يلاحظ أن الحكومة السورية، المعترف بها دولياً، هي القوة المسيطرة على غالبية الأراضي السورية.

لا نريد الخوض في كثير من الاتفاقيات الخفية، فهناك حقائق قد حسمت خلف الستار وبعيداً عن الإعلام، فقد وصلنا لمرحلة وجوب إنهاء الحرب في سوريا وسوتشي قد تكون ونتمنى أن تكون هي الخطوة الأولى والحاسمة للوصول إلى السلام والحياة المنشودة من تحت أنقاض الدمار والدماء.

Share it...