أردوغان ومعارضوه… هل سيكون زلزال سياسي؟

مساهمة لموقع سيرياليزم
لقد كان زلزال السادس من فبراير الذي ضرب تركيا وسوريا مؤلماً للغاية، مع ما تسبب به من دماراً مريع في أكثر من 10 مدن تركية وفي 10 ولايات تركية، مع أكثر من 44000 قتيل ومئات الآلاف من الناس اللذين باتوا بلا مأوى، ناهيك عن الأعمال والمصالح التجارية من محال ومرافق اقتصادية وغيرها دمرت بفعل الزلزال.
بلا أدنى شك، فقد كان توقيت الزلزال كارثياً على حكومة حزب العدالة والتنمية، والرئيس رجب طيب أردوغان، في وقت تقترب البلاد من انتخابات وصفت بكونها حاسمة ومصيرية، والتي ستتم حسب ما أكد الرئيس التركي في الـ14 من شهر مايو المقبل، على الرغم من كارثة الزلزال.
فالظروف في تركيا ليست على ما يرام منذ سنوات، وخصوصاً في الاقتصاد ومعيشة الناس، وهو العامل الرئيسي الذي يهم الشعب التركي.
فالاقتصاد والوضع المعيشي في البلاد شهد انحداراً كبيراً منذ عدة سنوات، مع نسبة تضخم تبلغ حالياً حوالي 57%، وسعر صرف الدولار الأميركي يساوي 18.87 ليرة تركية.
ومع كارثة الزلزال، بات الوضع في البلاد أكثر قسوة، مع ازدياد العبئ والتحديات الجسام على الحكومة التركية والشعب التركي على حد سواء، وأكثر مما كان عليه قبل الزلزال.
لا يخفى على المراقب لأحوال الناس في تركيا، ازدياد الحنق الشعبي وارتفاع حدة الأصوات المعارضة لاستمرار أردوغان وبقاء حزبه في السلطة، مع مقولة بات كم كبير من الأتراك يكررونها “عشرون عام من البقاء في السلطة، هذا يكفي… ليذهب وليأتي شخص آخر”.
الشعب التركي كثير الشكوى حول ظروفه المعيشية، ووجود اللاجئين من عدد من الدول وفي مقدمتهم السوريون، يضيف مقدار كبير من التجاذب السياسي.
فالحنق الشعبي حول بقاء اللاجئين كسوريين وأفغان وغيرعم في البلاد بات معروف، على الرغم من أن هذه المشاعر قد يكون مبالغاً بها من قبل الناس، وكأن وجود هؤلاء في تركيا هو سبب الانحدار الاقتصادي في البلاد، لا بل ربما يكونون هم السبب في الزلزال أيضاً!
إن معظم اللاجئين اللذين يعيشون في تركيا، يعملون في مجالات عمل ويعيشون في ظروف لا يتحملها ولا يقبل بها معظم الأتراك، يضاف إلى ذلك، يقوم معظم أصحاب الأعمال باستغلال أوضاعهم وظروفهم من حيث توظيفهم للعمل لفترات طويلة وبأجور أقل بكثير مما قد يقبل بها التركي، فمعظم الأتراك لن يقبلوا مثل هكذا ظروف.
في المقابل هناك نخبة من هؤلاء “الأجانب”، ولنتحدث هنا عن نسبة من السوريين مثلاً من اللذين يعدون من النخبة من حيث مستويات التعليم والمهارة، وأغلب هؤلاء اليوم حصلوا على الجنسية التركية.
فالكثير منهم اليوم وخلال السنوات العشر الماضية، قام بتأسيس أعمال وشركات، نقوم بتوظيف الأتراك وخلق فرص للعمل.
وكخلاصة لهذه الجزئية، يبقى أن يقال، أن مشكلة الأجانب واللاجئين في تركيا، هي جزء من الحجج التي يتمسك بها بعض الأتراك غير الراضين عن الظروف الاقتصادية في البلاد، وذلك فقط للغمز من جهة ارتباط هذه القضية ببعض المواقف والنهج السياسي الذي يتبعه الرئيس التركي وحزبه الحاكم.
وبغض النظر عن صوابية موقف القيادة التركية من عدمه، يبقى أن نعود للقول أن من يحسم قضية الحفاظ على السلطة والفوز بأي انتخابات في تركيا هو الشأنا الاقتصادي والمعيشي فقط.
فقبل أحداث ما كان يعرف بالربيع العربي في عام 2011 إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز 2016، ظل الوضع الاقتصادي في تركيا مقبولاُ نوعاً ما من قبل الأتراك.
لكن بعد عام 2016، بدأ الخط البياني للوضع الاقتصادي في البلاد بالانحدار، فالكثير يتغافل عن الاعتراف أن هناك أيادِ غربية تقف خلف المحاولة الانقلابية وهي بالضرورة لها دور بانحدار الوضع الاقتصادي أيضاً، وهي ذات الأيادي التي دعمت الاقتصاد التركي حتى يمتاز بحالة الصحة التي تنعم بها البلاد قبل عام 2016 ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في عام 2002.
قد يقول بعض المعارضين لسياسات الرئيس التركي، أنه يدمج في سياساته أنه يسعى نحو “العثمانية” كنهج، وما بين سياسة خارجية تسير وفق منظور رجب طيب أردوغان، والنهج الاقتصادي اللذي يتناغم مع هذا المسار، وهو عامل أسهم في الحفاظ على شعبية كافية حفظت للعدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان السلطة لعقدين من الزمان.
ولكن في المقابل يلاحظ كثيرون أن تركيا أقحمت نفسها في قضايا خارجية كثيرة ومتشابكة، إذ يشبه الوضع وكأن جيشاً يفتح على نفسه 10 جبهات في وقت واحد، ويريد أن يقاتل فيها كلها دفعة واحدة، في وقت يواجه الشعب في داخل وضع اقتصادي صعب، وبعض الهزات الأمنية التي تسببت بها فتح كل هذه الجبهات الخارجية.
فالشعب في الداخل يعاني من شدة وطأة الوضع الاقتصادي الصعب، ثم جاء زلزال 6 شباط ليزيد الطين بلة.
يمكن القول أن الحظ أو إن شاء البعض أن يسميه التوفيق الإلهي يلعب دور في بقاء حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان في السلطة حتى الآن، واليوم نجد المعارضة التركية مفككة وفي وضع تعيس، وجاء حقيقة إعلان رئيسة الحزب الجيد ميرال آكيشنار انسحابها من تجمع أحزاب المعارضة التركية الستة (طاولة الستة) إلا تأكيد على تشرذم المعارضة التركية، وهو ما يصب في مصلحة السلطة.
بتحليل بسيط، وبالنظر إلى الأرقام الحالية، حسب مركز الاحصاء الأوروبي عن الأحزاب الأكبر في البلاد نجد الآتي:
حيث يحتل حزب العدالة والتنمية الحاكم المرتبة الأولى بنسبة تأييد تبلغ حتى تاريخ كتابة هذا المقال 33.5%، يليه حزب الشعب الجمهوري بـ 26.6%، ثم الحزب الجيد بنسبة 14.2%، وحزب الشعوب الديمقراطية بنسبة 10.6%، ثم حزب الحركة القومية (الموالي للسلطة) بنسبة 6.6%، وما تبقى نسب لا تتعدى 2.2% لحزب دوا (بزعامة علي باباجان)، وحزب الظفر (بزعامة السياسي المثير للجدل أوميت أوزداغ) بنسبة 2.1%، ثم حزب المستقبل (بزعامة أحمد داوود أوغلو) بنسبة 1.8%، وحزب الرفاه الجديد (بزعامة نجل الزعيم نجم الدين أربكان، فاتح أربكان) بنسبة 1.6، ويليه كل من أحزاب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب الوطن وغيرها من الأحزاب بنسب صغيرة متفاوتة.
إن التكتلات السياسية في البلاد، لقوى المعارضة يتوجب عليها التوحد إن أرادت الفوز، لأن حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية يمتلك ما مجموعه 40% من إجمالي الأصوات (حسب الاحصائيات الحالية)، وقد يضاف إليها في اللحظات الحاسمة نسب إضافية من مجموعة من الأحزاب الصغيرة، غير المنضوية صراحة في المعارضة التركية، والتي تعتمد أيديولوجيات قومية وإسلامية وحتى اشتراكية، يضاف إليها أصوات الشباب اللذين لم يسبق لهم الانتخاب، وهي فئة ظلت السلطة والمعارضة تسعى لنيل تأييدها.
وبشكل عام قد يكون الرئيس التركي في وضع مريح إلى حد ما وهو يراقب تفتت المعارضة، خصوصاً مع خروج السيدة آكيشنار من التحالف، وقد يكون من الذكاء أن يحاول حزب العدالة والتنمية استمالتها.
يبقى التهديد الحقيقي في قلب النتيجة بشكل أو بآخر على عاتق حزب الشعوب الديمقراطية والذي يمتلك قاعدة انتخابية مقلقة للحزب الحاكم والمناطق التي ضربها هي مناطق يتنافس فيها هذا الحزب مع الحزب الحاكم، وفي حال كان توجه حزب الشعوب الديمقراطية مصوب نحو دعم قوى تحالف المعارضة، فأصوات الحزب قادرة على تعديل الكفة لصالحها، لكن مع انسحاب الحزب الجيد من الائتلاف المعارض، تعود الأمور للتأرجح من جديد، وهذا يأتي لصالح الحزب الحاكم إن أحسن استغلال هذا الانقسام.
مشكلة المعارضة التركية، تكمن في انعدام الصورة الواضحة للتواجهات فيها، ومعظم مؤيديها محصورون في فئات ثلاثة فقط، وهم:
فئة تركية غير راضية عن الوضع الاقتصادي، منها من كان مؤيد لحزب العدالة في فترة الرخاء الاقتصادي، وهؤلاء يغيرون مواقفهم حسب تحسن الاقتصاد والظروف المعيشية.
فئة تركية متعصبة للتوجهات العملانية في البلاد ومعارضة تماماً للنهج الإسلامي لحزب العدالة والتنمية أو أي حزب آخر ذو ميول إسلامية، وأغلبهم يعتبرون الحاضنة الوفية لحزب الشعب الجمهوري ومبادئ الجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال آتاتورك.
أما الفئة الثالثة، فهي الفئة الأعقد، وهي فئة غير واضحة الميول، وقد تراها تتغنى بأمجاد الدولة العثمانية والتاريخ التركي القديم بشقيه العثماني والسلجوقي، ولها توجه محافظ بشكل عام من حيث الجذور والعادات والتقاليد والإلتزام الديني، لكنها في الوقت نفسه تتغنى بالنظام الكمالي الذي أسسه آتاتورك.
وهنا نجد معركة المعارضة والسلطة في آتون صراع لجذب أصوات هذه الفئة الثالثة.
بطبيعة الحال، يوجد لكل حزب سواء في السلطة والمعارضة كتلته الشعبية الوفية له، وهي مدفوعة بمعظمها في تأييدها بالعاطفة في المقام الأول.
وبطبيعة الحال يجب أن لا ننسى فئة المنتفعين أصحاب المصالح الشخصية، ومعظمهم فئات فاسدة لا يعنيها من يكون في السلطة بقدر ما تضمن لها السلطة أي سلطة، الحماية وضمان مصالحها والحفاظ على مكاسبها الشخصية، وهذه الفئة هي أس الفساد والإفساد في كل مجتمع.
لقد حصرت المعارضة التركية في ترشيحها لشخصية تواجه الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية في ثلاث شخصيات:
حيث يأتي زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو (العجوز الذي لا يزال يحلم بالوصول للسلطة).
ورئيس بلدية استانبول (حزب الشعب الجمهوري) أكرم إمام أوغلو، والذي يحظى بشعبية معقولة في الأوساط العلمانية التركية.
أما الشخصية الأكثر شعبية وهي رئيس بلدية العاصمة أنقرة، منصور يافاش (حزب الشعب الجمهوري)، وهو الشخص الذي يراه كثيرون المرشح الأفضل، على الرغم من أن الرجل لم يخفي موقفه غير المحبذ لخوض الانتخابات، وهو دليل على حكمة يجب الاعتراف بها، إذ كرر يافاش تصحات تفيد بأنه يفضل البقاء في منصبه وعدم الدخول في السجالات السياسية للمعارضة لترشيح رجل لمواجهة أردوغان، ولكنه يبقي الباب مفتوح أيضاً لمسألة الترشح، في حال كان هناك اجماع عليه وطلب منه ذلك.
من جهة ثانية أعلن زعيم حزب الظفر أوميت أوزداغ أنه ينوي ترشيح زعيم حزب الوطن، محرم إينجه، والذي واجه أردوغان في انتخابات الرئاسية الماضية، عندما كان إينجه ما يزال عضواً في حزب الشعب الجمهوري.
وحالياً، تتجه الأمور نحو اتفاق المعارضة على ترشيح كمال كلتشدار أوغلو، وهو أحد أسباب انسحاب الحزب الجيد وزعيمته من تكتل المعارضة.
يجب القول أن المجتمع التركي لا يتقبل وصول امرأة لرئاسة الجمهورية، لكنه لن يمانع في وجود امرأة في منصب رئيس الوزراء مثلاً، كما كان الحال في السابق مع السيدة تانسو تشيلر.
وأيضاً من غير المنطقي حقيقةً أن تختار المعارضة السيد كمال كلتشدارأوغلو لمواجهة أردوغان، لأنه لم يعد من المناسب لدولة فتية نسبياً كتركيا أن يكون رئيسها عجوز تجاوز السبعين من العمر، خصوصاً عند الكلام عن ضرورة إحداث تغيير في البلاد، كما تتحدث المعارضة.
ففي الوقت الحالي مع سكان البلاد البالغ 84 مليون، منهم 24% تتراوح أعمارهم ما بين 0 و 14 عام، وحوالي 68% تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 64 عام، وحوالي 8% تزيد أعمارهم عن 65 عام، من الضروري بث دماء جديدة لقيادة البلاد نحو مئوية الجمهورية الثانية.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فيمكن القول وبكل ثقة أن السياسة الخارجية التركية في حال وصول المعارضة للسلطة قد تتغير بشكل كبير، لأن أغلب القيادات المعارضة أصحاب توجه غربي، المجموعة العلمانية في تركيا لازالت تحلم بإنضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
لكن يجب التذكير أنه حتى انضمام تركيا لحلف الناتو في بداية الخمسينات، ومشاركة قوات تركية في الحرب الكورية، لم تكن إلا حاجة اضطرت الولايات المتحدة والغرب لها لتلبية متطلبات حقبة الحرب الباردة الجيوسياسية والجيواستراتيجية، ولم تكن حباً في تركيا، فالغرب لا ينسى التاريخ، وفي حال وضع الغرب في موقع اختيار فمن تراه سيختار، اليونان أم تركيا؟؟؟
إن الكراهية المبطنة التي لا يخفيها الغرب تجاه تركيا معروفة، فهو ينتهز أي فرصة للتذكير بذلك، وحتى الاحتقار الغربي تجاه الدين الإسلامي ومقدسات أكثر من مليار مسلم في العالم هي إحدى أسلحة الغرب التي يستخدمها من خلال الإساءة للإسلام لإهانة تركيا.
لا يستطيع أحد أن ينكر موقع تركيا المهم في العالم الإسلامي، وهو أمر يدركه الغرب لذلك يقوم بإهانة الإسلام ليهين تركيا.
ولم تكن حادثة إحراق القرآن الكريم في السويد، تلتها الرسوم الكاريكاتورية في مجلة تشاري إيبدو الفرنسية مباشرة بعد الزلزال، وهي ليست المرة الأولى التي يسيء هؤلاء للإسلام، ليست إلا نموذج بسيط.
إن وجود تركيا في حلف الناتو، بات يسبب مشكلة لدول الغرب، كما حدث حول مسألة انضمام كل من السويد وفنلندا للحلف.
إن رفض تركيا لانضمام هاتين الدولتين، دفع إحداها وهي السويد، إلى غض النظر حول قيام متطرفين مجانين بحرق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم.
وهنا يجب طرح تساؤل، لو كانت المعارضة هي التي في السلطة، كيف كانت ستتصرف؟
إن تجربة الحرب في قبرص عام 1974 وموقف القوى الغربية لا ينسى، وهو مشابه لموقف الغرب تجاه روسيا في الموضوع الأوكراني.
وفيما يتعلق بعلاقات تركيا مع جيرانها، وخصوصاً الدول العربية وروسيا، فالحفاظ على التوازن للسياسات التركية في المنطقة والعمل على إصلاح أخطاء السنوات العشر الماضية سيكون القرار الحكيم الذي سيخدم استقرار تركيا، حتى أنه سيخدم اقتصادها، فهو الحل الأفضل، وهو التوجه الذي قد لا يكون مضمونأً في حال وصل أحد أفراد المعارضة للسلطة.
ولهذا السبب قد يكون بقاء الرئيس التركي الحالي في السلطة أفضل من دخول البلاد في انقسام، من حيث حرصه الذي يبديه في الآونة الأخيرة نحو اصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد، وهو مطلب أساسي للشعب التركي، مع ضرورة العودة لسياسة صفر مشاكل التي كانت منهج حزب العدالة والتنمية عند وصوله للسلطة.
لن يكون بالإمكان تحليل كافة القضايا الشائكة التي تواجهها تركيا في الداخل والخارج في مقالة واحدة، ولكن يمكن أن تختتم هذه المقالة بجملة السيدة ميرال أكيشنار في إعلانها الانسحاب من تحالف المعارضة، “فإما أن نكون من يكتب التاريخ أو سنكون من التاريخ”… فأي تاريخ ينتظر تركيا بعد 14 مايو، أهو المستقبل الأفضل؟… سننتظر ونرى.