إسرائيل تصاب بنفس مرض جيرانها

عندما يتعرض الإنسان منا إلى مرض ما، فهناك احتمال كبير أن يكون المرض من الأنواع المعديةَ!
هذه ليست مقالة طبية!
صحيح أننا نجد في كثير من البلدان أطباء وقد أصبحوا رؤوساء يقع بيدهم مصير أوطانهم ومن فيها من بشر وحجر وكائنات، وفشلهم أو نجاحهم في تحمل تلك المسؤولية لا يعني بالضرورة فشلهم أو نجاحهم في مهنتهم واختصاصهم الأساسي وهو الطب.
فمسألة مشاهدة الكثير من الحالات المرضية تصيب الشعوب والأمم، هو أمر حقيقي.
إسرائيل اليوم ومنذ فترة ليست بالقصيرة بدأت على ما يبدو بالدخول في هذه الحالة.
إن نبوءة ديفيد بن غوريون فيما يتعلق بدولة إسرائيل ومستقبلها ضمن محيطها قد تحققت، محيطها المعادي لها، والذي سيبقى معادياً لها، حتى لو ركع كل حكام المنطقة لها وأعادوا القبلة إلى القدس التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافاً على كونها عاصمة لدولة إسرائيل.
فالصراع مع الصهيونية، هو صراع أشبه بعلامة التايجيتو الصينية، صراع الأسود والأبيض، صراع الخير والشر، صراع الملائكة والشياطين.
وبغض النظر عن من هو طرفي الصراع، ومن هو الشرير والخير بينهما، فهو صراع وجودي، وواهم من ينتظر أن يرى الملائكة وهي تصافح وتعانق الشياطين وكائن شيئاً لم يكن.
أعيد وأكرر لا يعنيني في كلامي من هو الشرير والخير، وليعتبر من يقرأ أي من الطرفين هو الشرير والخير حسب معتقداته، والزمن والإرادة الإلهية هي وحدها من ستظهر في يوم من الأيام من هو الشرير ومن هو الخير.
إسرائيل اليوم، ومن دون أدنى شك، بدأت مظاهر الوهن والضعف تظهر بوضوح على كيانها.
لقد بدأت علامات الشيخوخة بالظهور بشكل أكثر وضوحاً، بالرغم من بقاء احتمال وجود مرحلة مراهقة متأخرة قد تمر بها قبل أن تواجه القدر المحتوم، حالها كحال أي كيان في الحضارات البشرية والإنسانية.
فحتى العرب جيرانها الأعداء، كانوا سادة العالم في يوم من الأيام، ولكن وليسمح لي من يقرأ كلامي من العرب، أن الحضارة العربية ليست عربية بالمطلق، لأن الإسلام قد ضم الكثير من الشعوب والتي ساهم كل منها في تعزيز تلك الحضارة وحتى الإساءة لها، تماماً كما هو حال العرب أنفسهم.
فمن أرتدوا عن الإسلام وادعوا النبوة في خلافة أبو بكر كانوا من العرب، ومن قتل الحسين بن علي بن أبي طالب كان عربياً.
الإسلام هو الحضارة وليست العروبة، وهو الحال نفسه عند اليهود، فتصنيف الحضارة لديهم مرتبط باليهودية، ولا وجود لشيء أسمه قومية يهودية، لأنها وبكل بساطة معتقد ودين سماوي، يرتبط بالإيمان بالخالق الواحد، وإن اختلفت تسمية الخالق بينهم وبين المسلمين.
لن يعجب كلامي اليهود، أعلم ذلك ولا يعنيني الأمر شيئاً وهو أمر طبيعي، ولكي أكون عادلاً فحال العرب والمسلمين ليس بأفضل، بل هم أسوأ بكثير.
لقد باتت إسرائيل اليوم تتغنى بأمجاد وإنجازات الماضي، تماماً كما يفعل العرب والمسلمون.
باتت إسرائيل اليوم تبحث عن أي انجاز من شأنه إعادة هيبتها التي ضاعت ولن تعود.
فبعد حرب العام 1973 بدأ الخط البياني لقوة إسرائيل بالانحدار.
بعيداً عن تقييم نتيجة حرب يوم الغفران، والصراع حول من انتصر فعلياً فيها، يظهر لنا واقع الحال اليوم أن تلك الحرب كانت على الأقل إشارة البداية للسقوط.
فإنجاز حرب الأيام الستة، مسح مع الأيام والسنوات بالرغم من بقاء قسم كبير من الأراضي التي احتلت من الدول المجاورة لإسرائيل بيدها لليوم.
تلاحظون أنني لم أذكر عبارة جيران إسرائيل من العرب، بالتأكيد فالشركس والأرمن والأكراد والتركمان وغيرهم من القوميات التي تعيش في المنطقة قاتلت إسرائيل وسقط لها ضحايا، فكيف لنا أن نقول أن جيران إسرائيل ممن قاتلها هم العرب وحدهم؟
لا أعتقد أن سلمان الفارسي، ونور الدين الزنكي، وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس وسيف الدين قلاوون، ومحمد الفاتح، وسليمان القانوني، ومحمد علي، وغيرهم كانوا من العرب!
وتأكيداً على حال الوهن سأقدم بعض الدلائل التي تثبت صحة زعمي.
منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 كانت إستراتيجيتها القتالية، مبنية على أن أي حرب تتم بينها وبين جيرانها، يجب أن تجري على أرض جيرانها، إنها إستراتيجية أساسها التوسع لزيادة مساحة الأرض والتي وصل أقصاها في حرب الأيام الستة، على سيناء وغزة، الضفة الغربية وهضبة الجولان ومزارع شبعا، بالإضافة إلى أن أي حرب مستقبلية يجب أن تكون سريعة مع الحرص على تقليل الخسائر البشرية، لأن إسرائيل لا تتحمل خسائر بشرية كبيرة، لأن قتل 10000 من جيرانها، مقابل 1000 من إسرائيل غير مقبول.
فرقم 1000 قتيل لإسرائيل هو كارثة، أما لجيرانها، لا يعني موت 10000 ولا حتى مليون أي شيء.
روى لي أحد المعارف، ممن شاركوا في حرب يوم الغفران، ممن شاهد بعينيه كيف أن كتيبة إسرائيلية على الجبهة السورية أبيدت عن بكرة أبيها تقريباً، أثناء محاولة أفرادها استعادة جثث رفاقهم.
فحتى تحمي إسرائيل أرض دولة عام 1948، كان من الواجب إضافة المزيد من الأراضي، لخوض أي حرب مستقبلية عليها، دون تعريض أراضي عام 1948 للخطر.
اليوم لم يعد هذا الخيار مطروحاً، فالصواريخ والهجمات المتنوعة داخل أراضي دولة إسرائيل، ألغت تلك الإستراتيجية للأبد.
لم تعد أراضي دولة إسرائيل في مأمن.
بعد حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية الأخير (كائن من كان وراء سقوطها) فطائرة أسقطت بفعل فاعل لم تسقط وحدها، ولن تضحي إسرائيل ولو بـ 1% من حياة طيار لديها، من أجل افتراض وجود إتفاق خفي سوق له بعض مخموري الذهن، وتحديداً من المعارضين للنظام السوري للتقليل من شأن ما يمكن أن يوصف بالإنجاز أو رد الفعل المنطقي الذي طال أمده كثيراً.
أنا أتفهم عداء المعارضين للنظام السوري، ورغبتهم في تحقير والتقليل من شأن أي عمل يقوم به هذا النظام وحلفائه ضد إسرائيل.
ولكن يجب أن أذكر هؤلاء، أن حزب الله على سبيل المثال استهدف فرقاطة إسرائيلية في حرب تموز 2006، وهو يقاتل إلى جانب النظام السوري ضد معارضيه، فهل كان استهداف الفرقاطة اتفاقاً أيضاً؟
هل سفينة مرمرة التركية التي حاولت كسر حصار غزة كانت اتفاقاً بين تركيا وإسرائيل؟
أتفهم معارضي النظام السوري ومواقفهم، ولكن ليس من المنطق المغالاة إلى هذه الدرجة، لأن طريقة التعامل بهذه الطريقة أصبحت ومن دون شك حالة مرضية، وأنصح من يعاني منها أن يراجع طبيب نفسي.
يجب الفصل بين رأي معارضي النظام ومسألة الصراع مع إسرائيل، وإن حصل وبدأ البعض بالحديث أن مسألة العداء بين إسرائيل والنظام السوري هي مؤامرة، وهم بواقع الحال حلفاء، أنصحهم مرة أخرى بأن يراجعوا طبيب نفسي.
فصدام حسين استهدف إسرائيل بـ 59 صاروخ سكود في حرب الخليج الثانية عام 1991، فهل كان صدام حسين أيضاً عميلاً لإسرائيل؟
إسرائيل كانت على علاقات طيبة مع إيران إبان حكم شاه إيران، وأصبحت دولة معادية لإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، فهل الخميني عميل لإسرائيل؟
لا شك أن السياسة تلعب بعض الأحيان أدوار، وقد نرى تقاطع للمصالح بشكل أو بآخر حتى بين الأعداء وفق مقتضى بعض الظروف، دون أن يلغي مسألة العداء بين الطرفين.
فهل ينسى الفرنسيون، اليوم ما فعله الألمان بهم؟
هل ينسى اليابانيون ما فعلته الولايات المتحدة بهم؟
ما هي العلاقة بين فرنسا وألمانيا اليوم؟
كيف هي العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان اليوم؟
طبعاً الحال هنا يختلف لأن الصراع بين تلك الدول كان صراع يتعلق بحالة مجردة، ولا يصح تشبيه الصراع بين إسرائيل وجيرانها ووضعه في نفس الخانة.
إعلان إسرائيل الأخير عن استهدافها لما يعتقد أنه مفاعل نووي سوري يجري بنائه عام 2007 بعد مضي أكثر من 10 أعوام على العملية، ليس إلا تأكيد على حالة الضعف التي وصلت له إسرائيل اليوم.
ما يعنينا أن تعلن إسرائيل بعد أكثر من 10 سنوات أنها استهدفت ما يعتقد أنه مفاعل نووي سوري؟
هل أخفت إسرائيل ضربها لمفاعل تموز العراقي عام 1981 لعشر سنوات؟
نحن اليوم نشاهد حالة مرضية مستفحلة بدأت تصيب إسرائيل، وتعرض كل الدول التي قاتلتها إسرائيل في الماضي لخضات وحروب وويلات اليوم، لا يعني أنها في مأمن.
ومن تدعمهم إسرائيل من مقاتلين متطرفين في سوريا مثلاً، لا يمكن أن تثق بهم بأي حال من الأحوال، وأذكر من يراهن على إسرائيل من المعارضين السوريين، كيف كان مصير جيش لبنان الجنوبي بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000.
جملة أنطوان لحد كانت: ((لقد خدمنا إسرائيل لمدة 24 عام وتخلت عنا في 24 ساعة)) ورأي إسحاق رابين في جيش لبنان الجنوبي كان: ((كيف يمكن أن تحترم وتثق بأناس يعملون معك ضد سكان أرضهم التي يعلمون أننا قمنا باحتلالها، وتحت أي مبرر لا يمكن أن تثق بمثل هؤلاء)).
مختصر الكلام، أن ما أصاب جيران إسرائيل من مرض التغني بأمجاد الماضي، على واقع مزري يعيشونه اليوم، قد باتت إسرائيل اليوم تعاني منه أيضاً.
لم نسمع في زمن بن غوريون وليفي أشكول وموشيه ديان عن محاكمات لمسؤولين ورؤوساء حكومات ودولة في إسرائيل تتعلق بتهم فساد وتحرش جنسي وتلقي رشى.
لم نسمع عن مسؤول إسرائيلي حكم عليه بالسجن في زمن ليفي أشكول وغولدا مائير، كما هو الحال في زمننا.
في أيامنا، لدينا موشيه كتساف، واسحاق مردخاي، أرييه درعي، إيهود أولمرت وغيرهم، وحتى صديقنا رئيس الحكومة الحالي السيد بيبي ليس بعيد عن القائمة.
لو عاد هرتزل وحاييم وايزمان وبن غوريون للحياة ليروا من يحكم إسرائيل اليوم، كيف ستكون ردة فعلهم؟
لن أفاجئ إن شاهدت محاكمات بحق مسؤولي إسرائيل اليوم تتم بالطريقة الداعشية.
واقع الحال اليوم يظهر لنا المعطيات التالية:
من يحكم إسرائيل اليوم هم أشخاص فاسدون، تماماً كجيرانهم، ومسألة وجود شفافية في محاكمتهم وسجن بعض منهم لا يعني أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع صحي وسليم.
إسرائيل اليوم فقدت التفوق في المنطقة، حيث أن سلاح الجو الإسرائيلي لم يعد في مأمن أيضاً.
أذكر إسرائيل برون أراد… أين المقدم رون أراد؟
قواعد اللعبة العسكرية في المنطقة قد تغيرت، فدولة إسرائيل بكامل حدودها 1948 و 1967 ليست في أمان، وسلاحها النووي لن يحميها.
جيش إسرائيل أستهدف:
براً: مشهد دبابة الميركافا وهي مقلوبة في لبنان رأساً على عقب هو دليل وقبلها في الماضي مصير السنتوريون المتفحمة والشيرمان بلا برج.
كيف كان مصير خط بارليف؟ أوجه السؤال اليوم للرئيس عبد الفتاح السيسي!
كيف كان مصير خط آلون؟ أوجه السؤال اليوم للرئيس بشار الأسد!
بحراً: ما جرى في حرب تموز عام 2006 باستهداف الفرقاطة ساعر، وقبلها في الماضي بيت شيفع وبات يم والمدمرة إيلات.
جواً: ما جرى مؤخراً في سوريا، وقبلها ما جرى بسلاح الجو الإسرائيلي يوم 16 أكتوبر 1973 على الجبهة السورية على سبيل المثال لا الحصر، وأيضاً أين هو رون أراد؟
أما على صعيد قوة الاستخبارات، فحدث ولا حرج.
ماذا بقي من الهيبة؟
ليس من المعيب أن يكون الإنسان متواضعاً، وليس من المعيب أن تعامل الدول بأحجامها الحقيقية، فحال إسرائيل وقوتها لا تقاس بضعف خصومها.
يجب أن تعتاد إسرائيل أن تعامل وفقاً لتلك المعطيات، أما عن نبوءة بن غوريون، وكما قال سيأتي يوم على إسرائيل وتذوب في البيئة التي تتواجد فيها، فهو أمر حقيقي بالنظر لواقع الحال اليوم.
لإسرائيل اليوم حكام فاسدون وجيش كأي جيش لا يميزه شيء، مجتمع يعاني من مشاكل، شباب يرفضون الخدمة العسكرية ويفرون خارج البلاد هرباً من الخدمة في الجيش، اقتصاد غير مستقر، فقر، دعارة، مافيا وجرائم منظمة، متدينون متطرفون يتعاملون مع باقي فئات المجتمع كما يتعامل المسلمون المتطرفون مع من حولهم.
لا يوجد اختلاف، كلا الجانبين لا يأكل لحم الخنزير، ويصف الطرف الآخر بالخنازير.
اليوم نرى من يحاول إقامة علاقات مع إسرائيل من بين جيرانها وهم أنفسهم من يعانون من نفس تلك الأمراض.
لقد انتقلت العدوى لإسرائيل من جيرانها، وأنصحها أن تبتعد عنهم، لأن معايشتهم قد تودي بها.
من سخرية القدر أن ينجح جيران إسرائيل بإزالتها من الوجود بطريقة لم تخطر على بال أحد، ببساطة من خلال أن يصبح حالها كحال جيرانها.